الرياضة

لوكا مودريتش… حين يغادر القلب وسط الميدان

لوكا مودريتش… حين يغادر القلب وسط الميدان

في لحظة هادئة لا تشبه ضجيج ملاعب كرة القدم، غادر لوكا مودريتش ريال مدريد. لم يكن مجرد لاعب رحل، بل رحل أحد أعظم من ارتدوا القميص الأبيض. رحل من جسّد معنى الصبر، والإبداع، والانتماء في عالمٍ أصبح يحكمه المال والسرعة والنسيان.

رجل المستحيل الذي كسر التوقعات

حين جاء مودريتش إلى مدريد في 2012، شكك كثيرون في قدرته على التأقلم. لم يكن لاعبًا سريعًا، ولا يملك البنية الجسدية المهيبة، لكنه امتلك ما لا يقاس بالأرقام: الذكاء، الهدوء، والرؤية الخارقة. بمرور الوقت، تحول إلى "قلب الريال"، والعقل الذي يوجه دقات كل هجمة، وكل نهضة للفريق من تحت الركام.

من لاعب يُنظر إليه كـ"صفقة متواضعة"، إلى أسطورة لا يناقش أحد قيمتها.

سحر لا يُدرَّس

لم يكن مودريتش لاعبًا صاخبًا. لم يحتج إلى 40 هدفًا في الموسم، ولا إلى استعراض مهارات على إنستغرام. سحره كان نقيًا، يُشاهد في التمريرة الذكية، في لمسة تُغير اتجاه المباراة، في لحظة يوقف فيها الزمن وينقذ الفريق. رأيناه يركض في الدقائق الأخيرة من النهائي وكأن عمره 20، بينما عمره الحقيقي يتجاوز الـ37.

شخصية من ذهب

وراء كل لمسة عبقرية، كان هناك إنسان استثنائي. لم نسمع عنه سوى الاحترام. لا فضائح، لا تصريحات نرجسية، فقط عمل صامت، وولاء لفريقه ومنتخبه. ارتدى شارة القيادة كأنه وُلد لها، لا ليفرض سلطته، بل ليقود بجاذبيته الهادئة.

ماذا يخسر ريال مدريد؟

برحيل مودريتش، يخسر ريال مدريد ليس مجرد لاعب وسط… بل يفقد الذاكرة الحية لزمن عظيم. يخسر القائد الصامت، النموذج الذي يُحتذى به. لن يكون من السهل تعويض شخص يُلهم اللاعبين، ويطمئن الجماهير، ويُضيف للحظات البسيطة معنى.

نهاية لا تُنسى

قد يواصل اللعب في دوري آخر، وربما نراه في الملاعب الخليجية أو الأمريكية، لكن الحقيقة أن فصل مودريتش في ريال مدريد هو أحد أنقى الفصول في تاريخ كرة القدم. فصل كُتب بأقدام ساحرة، وقلبٍ محب، وولاء نادر.

وداعًا لوكا… شكراً لأنك جعلتنا نحب كرة القدم أكثر، لأنك ذكّرتنا أن العظمة لا تأتي دائمًا من الضجيج، بل أحيانًا من رجل هادئ، لا يتحدث كثيراً… لكنه يقول كل شيء بقدميه.

مسيرة ذهبية بالأرقام والإنجازات

على مدار أكثر من عقد في "سانتياغو برنابيو"، حقق مودريتش كل شيء ممكن مع ريال مدريد:

  • 6 بطولات دوري أبطال أوروبا
  • 4 بطولات دوري إسباني
  • كأس العالم للأندية، وكأس السوبر الأوروبي مرات عديدة
  • الكرة الذهبية عام 2018، متفوقًا على ميسي ورونالدو، بعد قيادة كرواتيا إلى نهائي كأس العالم

لم يكن مودريتش لاعبًا يسجل الأهداف فقط، بل كان من يصنعها، من يفرض إيقاع المباراة، من يجعل الصعب يبدو سهلًا بلمسة، وبتمريرات لا تُرى إلا بعين الفنان.

أكثر من مجرد لاعب

ما ميز لوكا ليس فقط موهبته، بل احترافيته العالية وتواضعه. لم يدخل في صراعات إعلامية، لم يطلب الأضواء، لكنه كان دائمًا في قلب كل إنجاز. جمهوره لم يكن فقط في مدريد أو زغرب، بل في كل من عشق كرة القدم الخالصة، البعيدة عن الصخب والمبالغات.

ماذا بعد الرحيل؟

رحيل مودريتش عن ريال مدريد لا يعني خروجه من الذاكرة. قد يواصل اللعب لموسم أو اثنين في وجهة جديدة (ربما في الدوري السعودي أو الأمريكي)، لكن إرثه سيبقى خالدًا. اللاعب الذي صمد أمام الزمن، وأثبت أن العقل الكروي قد يغلب الجسد حتى بعد الثلاثين، سيكون قدوة لأجيال قادمة من لاعبي خط الوسط.

رحل لوكا مودريتش، لكن فنه سيبقى حياً في كل تمريرة جميلة نراها في الملاعب، وكل لحظة صمت ننتظر فيها "الساحر" ليخترق دفاعًا بلمسة واحدة.