وقفات رمضانية
الوقفة الأولى: الحكمة من تنوع العبادات
■ الله عزوجل نوع العبادات ليختبر العباد هل يمتثل أمر ربه أم يتبع ما يوافق هواه؟ وبذلك يتميز الممتثل من غيره.
■ فجعل من الدين ما ينقسم إلى كف عن المحبوبات كالصيام فإنه امتناع عن المحبوبات من الطعام والشراب ابتغاء وجه الله.
■ ومن الدين ما هو بذل للمحبوبات كالزكاة والصدقة، وذلك بذل للمحبوب وهو المال.
■ فالشحيح يمتحن بالعبادات المالية والآخر بالبدنية.
■ وذكر أن بعضهم نذر إذا اغتاب تصدق بدرهم، فهانت عليه الغيبة، لأن الإنفاق سهل عليه. ثم نذر إن اغتاب أحدا صام يوما، فكف عن الغيبة لصعوبة الصيام عليه.
■ من أجل هذا تتنوع العبادات الشرعية؛ ليعرف بذلك العباد من يمتثل تعبداً لله، ومن يمتثل اتباعا لهواه. ولشيخ الإسلام رسالة في تنوع العبادات.
الوقفة الثانية: الحكمة من مشروعية الصيام؟
■ تقوى الله: وأشار إلى ذلك الله تعالى في آخر آية الصيام: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ لعلكم”سورة البقرة 183.
■ فأعظم حكم الصيام هو ما يجر إليه ويؤول إليه من التقوى.
والصيام خير معين على التقوى؛ لأنه يعد نفس الصائم لتقوى الله تعالى بترك شهواته المباحة الميسورة، امتثالاً لأمره سبحانه واحتساباً لثوابه.
■ لتتربى بذلك إرادته على ملكة ترك الشهوات المحرمة، والصبر عنها، فيكون اجتنابها أيسر عليه، ويكون النهوض بالطاعة والصبر عليها.
■ والتقوى: امتثال الأوامر واجتناب المعاصي، ولا شك أن الصيام يجر إلى التقوى وهذه أعظم حكم الصيام.
> وأصل التقوى: التقوى مما يكره.
■ وقد سئل عمر أبي بن كعب عن التقوى فقال: أما سلكت طريقاً ذا شوك؟ قال: بلى. قال: فما عملت؟ قال: شمرت واجتهدت. قال: فذلك التقوى.
■ يقول القرطبي: التقوى فيها جماع الخير وهي وصية الله للأوليين والآخرين.
■ وهي خير ما يستفيده الإنسان. كما قال أبو الدرداء. وقد قيل له: إن أصحابك يقولون الشعر وأنت ما حفظ عنك شيئاً. فقال:يريد المرء أن يؤتى مناه و يأبى الله إلا ما أرادا.
يقول المرء فائدتي ومالي وتقوى الله أفضل ما استفاد….
■ و في هذه الحكمة إشارة إلى تصحيح القصد في هذه العبادة، فمن لم يصم بنية صالحة ويقصد بصيامه التقرب لله، فإنه لا يرجى له هذه الملكة وهي التقوى. فالتقوى هنا نتيجة، فالتقوى ليست هبة، إنما نتيجة يصل إليها الإنسان بالعمل. فهذه العبادة وهي الصيام تؤدي إلى التقوى.
الوقفة الثالثة: مراقبة الله عز وجل
■ الصيام يربي لدى الصائم ملكة المراقبة لله عز وجل، ولا جرم أنه يحصل له من ذلك الحياء من الله أن يراه حيث نهاه.
وفيها من كمال الإيمان بالله والاستغراق في تعظيمه وتقديسه أكبر معد للنفوس، ومؤهل لضبط النفس ونزاهتها في الدنيا وسعادتها في الآخرة.
■ فمن أعظم ما يفيده الصيام قيام عبودية المراقبة في قلبه، فالصائم يمسك عن المفطرات طيلة النهار، فتراه أميناً على نفسه، رقيباً عليها في الصغيرة والكبيرة، متمثلاً هيبة مولاه، واطلاعه، فلا تحدثه نفسه بتناول مفطر ولو قل، ولا يخطر بباله أن ينقض صيامه ولو توارى عن الأعين، فيصل بذلك إلى مرتبة الإحسان حيث يعبد الله كأنه يراه
المراقبة كما قال ابن القيم في المدارج : « دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه، وهي ثمرة علمه بأن الله رقيب عليه، ناظراً إليه، سامعاً لقوله، وهو مطلع على عمله كل لحظة ووقت وكل نفس وطرفة عين
■ ومن أدلة المراقبة: قوله تعالى:{ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ } سورة البقرة 253وقوله {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}سورة العلق14،وقوله سبحانه: { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} سورة غافر 19.
■ وقال ابن القيم أيضاً عن المراقبة: «هي التعبد بأسماء الله تعالى: الرقيب والحفيظ والعليم والسميع والبصير, فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها حصلت له المراقبة» وهذه من أعظم فوائد معرفة الأسماء الحسنى.
■ و وزاع الدين والمراقبة لرب العالمين يفعل في النفوس مالا يفعله وازع القوة والسلطان. فإذا ألف المرء أن يراقب ربه, ويستحضر شهوده واطلاعه, فإن المجتمع يأمن بوائقه, ويستريح من كثير من شروره، أما إذا كان الاعتماد على وازع القوة, وحارس القانون, فإن القوة قد تضعف, وإن الحارس قد يغفل, وإن القانون قد يؤول, وقد يتحامل للتخلص من سلطانه
الوقفة الرابعة:
■ الصيام يعود الإنسان على ضبط النفس وكبح جماحها, وتدريب على تحمل المسؤولية والصبر على المشاق.
■ الصوم يجعل العبد يعرف نفسه، يعرف حاجتهوفقره إلى ربه، ويتذكر بذلك عظيم نعم الله عليه, ويذكره ذلك حاجة إخوانه الفقراء فيوجب له ذلك شكر الله تعالى، والاستعانة بنعمه على طاعته, يوفقه ذلك إلى البذل والإحسان إلى الفقراء والمساكين, فتتحقق بذلك المحبة والأخوة.
■ التذكير بعدل الله تعالى بين خلقه، حيث جعل هذا الركن فرض على جميع المسلمين غنيهم وفقيرهم, ملوكهم وسوقتهم, وبذلك يتذكر الملوك العدل الذي فرض عليهم إقامته بين رعاياهم فالله حكم عدل ساوى بين الناس في التشريع العام, نعم فضل بعضهم على بعض من أجل الامتحان هل يشكر المفضل, هل يصبر المفضول عليه, فالناس سواسية في التشريع العام.
■ الصيام وجاء (وقاية) للصائم, ووسيلة لطهارته وعفافه, وما ذلك إلا لأن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم, والصوم يضيق تلك المجاري ويذكر بالله وعظمته؛ فيضعف سلطان الشهوة، ويقوى سلطان الإيمان، لذلك وجه من لا يجد القدرة على النكاح إلى الصيام: « يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع، فعليه بالصوم »الحديث متفق