كانت مدينة كراتشي في الأيام الأخيرة مسرحا لإجتماعات كبار رجال البلد بسبب استحقاقين سياسيين مهمين، الأول إعادة الهيبة لهذه المدينة التي فقدتها منذ عقدين من الزمان بسبب استمرار الإضطرابات في المدينة، والآخر قرب انعقاد انتخابات مجلس الشيوخ، حيث يشكل الحزب الذي يمثل المدينة، وهي الحركة القومية المتحدة (ام كيو ام)، ثقلا سياسيا كبيرا في إقليم السند وإسلام آباد.
لقد زار المدينة رئيس الجمهورية السيد ممنون حسين (الذي ينتمي إليها)، ورئيس الوزراء السيد محمد نواز شريف، ورئيس هيئة أركان الجيش الفريق أول راحيل شريف، وكبار القادة العسكريين والسياسيين، لتدارس الوضع الأمني المتدهور في المدينة وسبل تعزيز أمن المنشآت ولاسيما وأن المدينة دائما ما تستضيف فعاليات ونشاطات ومؤتمرات دولية ومحلية، وتعتبر من بين أهم المدن التي يرغب السياح الأجانب الراغبين بالإطلاع على ثقافات شعوب جنوب آسيا.
لكن هذه المدينة أصبحت من بين المدن التي تحذر فيها حكومات عدة دول غربية رعاياها بتجنب القدوم إليها إلا في الأحوال الضرورية جدا، فما الذي حول هذه المدينة إلى واد للموت، بعد أن كانت واحة سلام.
بداية مأساة كراتشي بدأت من حادث مروري عادي عام 1985، حين دهست حافلة ركاب صغير (ميني باص) عدد من طالبات إحدى كليات المدينة فقتلت إحداهن، وحين خرجت الطالبات في مظاهرات بعد الحادث للمطالبة بالقصاص، هاجمت الشرطة الطالبات بالعصي والهراوات لتفريق المظاهرة، مما ألهب المشاعر وتضامن سكان كراتشي مع الطالبات، وعمت المظاهرات المصحوبة بالعنف عموم المدينة، لتتحول بعد قليل إلى مصادمات دامية بين السكان والشرطة من جهة، والسكان وملاك وسائل المواصلات العامة وهم من الباشتون من جهة أخرى سقط على أثرها العديد من القتلى والجرحى، ويتم تطبيق نظام حظر التجول في المدينة، ثم تبدأ بعدها سلسلة من أعمال العنف المستمر كانت سببا رئيسيا للإطاحة بعدة حكومات اتحادية وإقليمية.
ورغم أن الأوضاع هدأت قليلا مع استلام الجنرال برويز مشرف الحكم عام 1999م، ولكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 غيرت مفهوم العنف من الطائفي العرقي إلى صدام بين الدولة ومنظمات خارجة عليها، كما أن عمليات التمويل للأعمال الإرهابية شكل هاجسا أمنيا أقلق الدولة، فالتمويل في أكثر الأحيان لم يكن برغبة من الممول، بل تحت تهديده بتصفيته والقضاء على أعماله، وهكذا أصبحت كراتشي مسرحا لتصفية حسابات دولية.
لو أننا راجعنا سجلات الحكومة، سنكتشف أن 27 ألف شخص فقدوا حياتهم خلال فترة زمنية لا تزيد على ثلاثة عقود ممتدة من العام 1985 والعام 2015، فقد قتل خلال السنة الماضية 26 ألف و956 شخصا حياتهم جراء أعمال العنف والعنف المضاد، وكان العام 2013 الأكثر دموية من بين الأعوام الثلاثين الماضية، حيث قتل 2789 شخصا، أي بمعدل 7 أشخاص كل يوم، وهذه إحصائية بالقتلى خلال السنوات الماضية:
السنة | عدد القتلى |
1985 | 190 |
1986 | 277 |
1987 | 271 |
1988 | 389 |
1989 | 370 |
1990 | 576 |
1991 | 431 |
1992 | 366 |
1993 | 371 |
1994 | 866 |
1995 | 1687 |
1996 | 557 |
1997 | 804 |
1998 | 1009 |
1999 | 532 |
2000 | 471 |
2001 | 598 |
2002 | 591 |
2003 | 585 |
2004 | 798 |
2005 | 782 |
2006 | 834 |
2007 | 929 |
2008 | 1177 |
2009 | 1146 |
2010 | 1595 |
2011 | 1923 |
2012 | 2432 |
2013 | 2789 |
2014 | 1810 |
ويقول الخبراء أن حل مشكلة مدينة كراتشي هو في المقام الأول أمني ثم سياسي، وكلما تعاون الحزبان الكبيران في إقليم السند، وهما حزب الشعب الذي حكم البلاد أربع مرات، وحزب الحركة القومية المتحدة، الذي شارك في تشكيل جميع الحكومات المتتالية منذ العام 1988م، وبمساندة من حزب الرابطة الإسلامية الذي حكم أيضا أربع مرات أو أكثر، سيتم حل المشكلة الأمنية في مدينة كراتشي، بالتزامن مع الحل السياسي.