هل الألماس أغلى من الماء ؟
كوب من الماء لا يُكلّف شيئا، إلا أن ألماسة تُكلّف كثيرا. مع ذلك، لا يوجد ما هو أكثر فائدة من الماء، في حين إن استخدامات الألماس التي تستهوي الناس تكون للزينة. هذا التناقض الواضح امتحن بعض العقول الرائعة. كان جواب آدم سميث على هذا التناقض هو أن الألماس مُكلف، لأن البحث عنه واستخراجه عمل صعب. هذا يبدو قريباً من الحقيقة، لكنه ليس الطريقة التي يتناول بها مختصو الاقتصاد المعاصرون المشكلة.
الاسم المعتاد لهذا اللغز هو “مفارقة القيمة” أو “مفارقة الماء والألماس”، لكني الآن أفضل أن أدعوها “مفارقة بوتون جوينيت”. (لم أكن قد سمعت عن بوتون جوينيت حتى الوقت الذي عُرِض فيه برنامج عن حياته في حلقة حديثة من برنامج إذاعة WNYC راديولاب). جوينيت المولود في بريطانيا انتقل إلى مستعمرة جورجيا في منتصف القرن الثامن عشر. كان رجل أعمال فاشلا، وكثير الاستدانة، وسياسيا من الدرجة الثانية في حركة الاستقلال. لكنه مع ذلك كان واحداً من الأشخاص الـ 56 الذين وقعوا وثيقة إعلان الاستقلال.
ربما يبدو جوينيت شخصية ثانوية مقارنة ببعض الرجال الآخرين الذين كُتِبت أسماؤهم بجانب اسمه؛ جون هانكوك وتوماس جيفرسون وجون آدمز وبنجامين فرانكلين. على الرغم من ذلك، توقيع بوتون جوينيت إلى حد كبير ذو قيمة أكبر بما لا يقاس، من توقيع جيفرسون أو فرانكلين. السبب البسيط لهذا هو أن هواة الجمع عادةً ما يرغبون في امتلاك المجموعة الكاملة من التواقيع الـ 56. عاش فرانكلين حتى الثمانينات من عمره وكان مراسلاً خصيباً، لذلك لم يكُن هناك أي نقص في تواقيع فرانكلين.
توفي جوينيت في مبارزة بعد عام من توقيع وثيقة إعلان الاستقلال. لقد تم اكتشاف توقيعه أخيرا على سجلات ولفرهامبتون، حيث تزوّج. معظم التواقيع الأخرى التي تركها كانت على سندات ديون.
قد يكون بنجامين فرانكلين واحداً من أبرز الرجال في التاريخ، لكن عندما تقوم بجمع مجموعتك من تواقيع وثيقة الاستقلال، فإن بوتون جوينيت هو الذي سيُثبت أنه القطعة الأخيرة من قطع الصورة. أي شخص يبيع توقيع جوينيت سيجد عددا قليلا من البائعين الآخرين وكثيرا من المشترين المتحمسين.
وهذا يعيدنا إلى الماء والألماس. الألماس مُكلف لأنه في الوقت الذي ينفد فيه مخزون الألماس، سيكون هناك كثير من المشترين الذين هم على استعداد للدفع بسخاء، ويتنافسون مع بعضهم بعضا. والماء رخيص في المناخات المعتدلة، لأنه – بعد تلبية طلباتنا من الشرب والطبخ، ثم الغسيل والري، وأخيراً السباحة – لا يزال يبقى الكثير. قد تكون قيمة اللترات الأولى من الماء مرتفعة بشكل لا حصر له، لكن القيمة الهامشية للتر واحد آخر منخفضة جداً، وهذه القيمة هي التي تحدد السعر.
كل شيء حتى الآن يفترض أن رغبتنا في الحصول على غرض ما – ألماسة، أو كوب من الماء، أو توقيع بوتون جوينيت – هي إحدى المسلمات. الألماس مُكلف لأننا نرغب فيه، وليس العكس.
لكن ماذا لو أن هذا غير صحيح؟ ماذا لو كانالألماس مرغوباً لأنه مُكلف؟
وضع الاقتصادي ثورستين فيبلين مصطلح “الاستهلاك الواضح” لوصف الحالات حين يكون أحد الأغراض جذاباً لمجرد أنه مُكلف. ساعة من أحد مصممي الأزياء المعروفين أو سيارة تعتبر ذات قيمة لأنها، مثل ذيل الطاووس، تعتبر مؤشرا موثوقا يفيد بأن لديك موارد إضافية. خلافاً لذلك، ما القصد من إنفاق الكثير على خاتم الخطبة المصنوع من الألماس؟
صورة الألماسهناك احتمال آخر هو “تحيّز التسعير”. إذا كنا لا نستطيع بالفعل التمييز بين بدلة جيدة، أو زجاجة عطر من الأخرى السيئة، يغلب علينا أن نستخدم السعر لإعطائنا فكرة عن ذلك. لكن هذا ليس منطقياً بشكل دقيق – لأن من الواضح أن أي شخص يستطيع مضاعفة السعر الذي يريده لأي شيء يبيعه، لذلك السعر في حد ذاته ليس دليلاً يمكن الاعتماد عليه للجودة. لكن تحيّز التسعير موجود. وتُظهر الدراسات أن الناس يمنحون قيمة أعلى للعطر خلال تجربته، إذا كانوا يعتقدون أنه مُكلف ـ حتى المسكنات الوهمية تكون أكثر فاعلية، إذا كان المريض يعتقد أنها أدوية جديدة مُكلفة وليست مجرد أدوية جديدة رخيصة.
الكلمة النهائية بهذا الخصوص ينبغي أن تكون لفريق بقيادة لوري سانتوس، من مختبر الإدراك المُقارن في جامعة ييل. أمضت سانتوس بعض الوقت في تعليم قردة كبوشي كيفية استخدام الأموال، ومبادلتها بالطعام، وفهم فكرة أن الطعام قد يكون له سعر إما مرتفع وإما منخفض. وفي دراسة حديثة مع روبين جولدشتاين، من جامعة كاليفورنيا في ديفيس، كان فريق سانتوس يحاول معرفة ما إذا كانت القردة أيضاً تُظهر تحيّز التسعير.
يبدو أنها لم تفعل. فبعد سلسلة من التجارب سُمِح فيها للقردة بشراء قطع الجيلي وحلوى المص المثلجة، ثم أُطلقت بعد ذلك على بوفيه مفتوح لمعرفة ما إذا كانت ستتجه نحو المواد المكلفة. لكنها لم تفعل. على خلاف البشر، لم تكترث القردة في كثير أو قليل بالتكلفة العادية للمواد. فقد أحبت ما أحبت. من هذا الباب، لا تختلف القردة عن البشر فقط، وإنما تختلف أيضا عن طيور الزرزور. أليكس كيسلينك وبارنابي مارش، أستاذا علم الحيوان في جامعة أكسفورد، وجدا أن طيور الزرزور تفضل الطعام الأكثر تكلفة من غيره.
أغلب ظني أن القردة لن تكترث باقتناء أحد تواقيع بوتون جوينيت. وماذا عن الإعلانات البراقة عن