إبرام المعاهدة

إبرام المعاهدة الدولية

يخضع إبرام المعاهدات إلى عديد من الإجراءات و تمر المعاهدة قبل بداية نفاذها بعدة مراحل فلا تعتبر المعاهدة مستوفية لجميع شروطها إلا بعد تعبير الأطراف عن رضاهم النهائي بالالتزام ببنودها و المراحل هي كالآتي

إجراءات إبرام المعاهدة

تعتبر المعاهدة تصرف رضائي يتم بشكل معين حتى يمكن وصفها بالمعاهدة الدولية بالمعنى الضيق ، ولدالك فالمعاهدة بهدا المفهوم تمر بعدة مراحل لإبرامها (عقدها) بدءا بمرحة المفاوضة والتحرير مرورا بالتوقيع وانتهاء بالتصديق والتحفظ وقد تمر بمرحة أخرى هي التسجيل والنشر . (23)

الفرع الاول : المفاوضة

وتسبقها مرحلة الاتصالات وهي اتصال الدولتين او العديد من الأطراف للاتفاق مبدئياً على موضوع المعاهد والإجراءات اللازمة لانعقادها. (24) ثم المفاوضة هي تبادل وجهات النظر بين ممثلي دولتين او أكثر والراغبة في ابرام تلك المعاهدة الدولية من اجل محاولة الوصول الى اتفاق فيما بينهما بشان مسالة معينة من المسائل .
ثم ليست للمعاهدة نطاق معين ، فقد يكون موضوعها تنظيم العلاقات السياسية بين الدولتين المتفاوضتين ،وقد يكون موضوعها الشؤون الاقتصادية او العلاقات القانونية القائمة بينها ،وقد تكون موضوع المفاوضة تبادل وجهات النظر بين الدولتين وبالطرق السلمية . (25)
كما ليس للمفاوضة شكل محدد يجب أتباعه ،ثم قد يقوم بالتفاوض رؤساء الدول او رؤساء الحكومات او وزراء الخارجية للدول او بعض المندوبين الدبلوماسيين
وصيغة التفويض تختلف باختلاف الدول وتغاير أحكام الدساتير القائمة فيها ، وهي على وجه العموم مستندا مكتوب صادر من رئيس الدولة ،يحمله المفاوض لإثبات صفته والسلطات التي يخولها له رئيس الدولة في الإفصاح عن وجهة نظر الدولة .


الفرع الثاني : تحرير المعاهدة

بعد التوصل الى اتفاق بشان الأمور والمسائل المتفاوض عنها فانه يتم صياغة كل ما اتفق عليه في شكل مكتوب تمهيدا للتوقيع عليه ، فتحرير تلك المعاهدة يعد شرطا ضروريا للمعاهدة الدولية واثبات الاتفاق الذي من شانه ان يقطع الخلاف في حال وجوده ،ويتكون نص المعاهدة من قسمين أساسيين :
– الديباجة .
– صلب الموضوع .
فالديباجة هي تشمل أسماء الدول المتعاقدة* او أسماء رؤساءها او تحتوي على بيان به أسماء المفوضين عن الدول المتعاقدة وصفاتهم .


وقد عرفت المادة 2/1/ج من اتفاقية فيينا بوثيقة التفويض « الوثيقة الصادرة عن السلطة المختصة في دولة ما بتعيين شخص او أشخاص لتمثيل الدولة في التفاوض بشان نص معاهدة ما او اعتمادها او توقيعها ،او في الإعراب عن موافقة الدولة على الالتزام بمعاهدة او في القيام باي عمل أخر إزاء معاهدة ما.


وتعتبر الديباجة وفقا للراي الراجح قسما من اقسام المعاهدة له نفس صفة الإلزام لأحكام المعاهدة .


اما صلب المعاهدة (المنطوق)فيتكون من مجموعة من المواد التي تشكل احكام المعاهدة التي تم الاتفاق عليها وبين أطرافها .


وقد يلحق بالمعاهدة في بعض الأحيان ملاحق تتضمن بعض الأحكام التفصيلية او تنظيم بعض المسائل الفنية ،ولهده الملاحق نفس القوة الملزمة التي تتمتع بها أحكام المعاهدة نفسها . (28)
كما انه أصبح استخدام اللغة في تحرير المعاهدة مسالة لا يختلف بشانها المفاوضون ،اد تجري تحرير نصوص المعاهدة باكثر من لغة ،ولم تعد توجد لغة واحدة في تحرير المعاهدة ولم يعد دلك مشكلة لدى الدول المتعاقدة حيث أصبح بإمكان الدول الموقعة فيي المعاهدة والتي تنتمي الى ثقافة واحدة الى اعتماد اللغة المشتركة للدول المفاوضة ،الا ان المشكلة تبرز ادا كانت الدول مختلفة في ثقافتها ولغتها فهنا تطرح اللغة التي يجري بها التفاوض وبها يتم تحرير المعاهدة . (29)

الفرع الثالث : التوقيع

بمجرد الانتهاء من مرحلة التفاوض والتحرير ، تاتي المرحلة التالية والمتمثلة في التوقيع على نص هده المعاهدة ،ودلك من قبل المفاوضين لكي يسجلوا ما تم الاتفاق عليه فيما بينهم ويتبنوه ،لدلك فالتوقيع هو المرحلة الأساسية الأولى التي تليها مرحلة التصديق الدستوري . (30)
ويعبر التوقيع عن رضا المفاوضين ، ولا يعني ان المعاهدة أصبحت بدلك نافدة حيث ان التوقيع في المعاهدات الثنائية يفترض موافقة الطرفين ،اما في المعاهدات الجماعية فقاعدة الإجماع لا تطبق ،والموافقة على النص يفرض بالأغلبية. (31)
إلا أن اتفاقية فيينا أوردت حالات استثنائية تكتسب فيها المعاهدة وصف الإلزام بمجرد التوقيع عليها و من دون الحاجة الى التصديق ، حيث نصت المادة 12 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969« موافقة الدول على الالتزام بمعاهدة ما يعبر عنها بتوقيع ممثليها من ما يلي :
– ان يكون للتوقيع هدا الأثر او…
– ثبت بطريقة أخرى ان الدول المتفاوضة متفقة على ان يكون للتوقيع هدا الأثر او…
– تبين عزم الدولة على إضفاء هدا الأثر على التوقيع من وثيقة تفويض او تم التعبير عنه أثناء المفاوضات »(32)
وفي غير هده الحالات لا يكون للتوقيع على المعاهدة أي اثر قانوني ملزم قبل من وقوعها الا بالتصديق عليها وهدا ما يميزها عن الاتفاقيات التنفيذية ذات الشكل المبسط عن المعاهدات بالمعنى الفني الدقيق .
ويتخذ التوقيع شكلين ان يتم بأسماء ممثلي الدول كاملة وقد يكون التوقيع بالأحرف الأولى من أسماء المفاوضين لأسمائهم كاملة وهدا في حالات التردد في الموافقة نهائيا على نص المعاهدة ورغبتهم في العودة الى حكوماتهم قبل التوقيع النهائي . (33)

الفرع الرابع :التصديق

يعتبر التصديق على المعاهدة دلك التصرف القانوني الذي يقصد به الحصول على إقرار السلطات المختصة داخل الدولة للمعاهدة التي تم التوقيع عليها /وهده السلطات اما لرئيس الدولة منفردا ، واما لرئيس الدولة مشتركا مع السلطة التشريعية ،واما السلطة التشريعية لوحدها كما لكل دولة إجراءات وطنية تعتمد عليها في عملية التصديق على المعاهدة ،ومع ان النصوص القانونية تختلف اختلافا كبيرا بين دولة وأخرى إلا أنها تشترك في المصادقة على المعاهدة من اجل نفادها . (34)
وقد نصت المادة 2/1/ب من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة1969التصديق بأنه « القبول » ، « الإقرار» ، « الانضمام »
ويعتبر التصديق إحدى الوسائل التي تعبر من خلاله الدولة عن ارتضاءها عن الالتزام بأحكام المعاهدة ،لكن التصديق يعتبر إجراء واجب الإتباع حتى تصبح المعاهدة نافدة ودلك في حالات معينة ،وهدا ما جاء في اتفاقية فيينا لقانون المعاهدة في المادة 14« تعبر الدولة عن ارتضاءها الالتزام بمعاهدة بالتصديق عليها في الحالات التالية :


– نصت المعاهدة على ان يتم التعبير عن تلك الموافقة بالتصديق ،أو ..
– ثبت بطرقة أخرى ان الدول المتفاوضة قد اتفقت على اقتضاء التصديق ،او..
– وقع ممثل الدولة المعاهدة مع جعلها مرهونة بالتصديق ،او..
– بينت نية الدولة في توقيع المعاهدة مع جعلها مرهونة بالتصديق من وثيقة تفويض ممثليها او تم التعبير عنها أثناء المفاوضات .» (35)
ولقد صاغ الفقه ضرورة التصديق على المعاهدات ،لتنفد في الدائرة الدولية بمسوغات عديدة أهمها :


– إعطاء الدولة فرصة أخيرة للتروي وإعادة النظر قبل الالتزام نهائيا بالمعاهدة .


– تجنب ما قد يثور من خلافات حول حقيقة إبعاد التفويض الممنوح للمفوضين عن الدولة في التفاوض وتوقيع المعاهدة.


– إتاحة الفرص لعرض المعاهدة على ممثلي الشعب في الأنظمة الديمقراطية التي تشترط موافقة السلطة التشريعية على كل المعاهدات او على المهمة منها قبل تصديق رئيس الدولة عليها. (36)

الفرع الخامس : التحفضات

التحفظ إجراء رسمي يصدر عن إحدى الدول او المنظمات الدولية ، ودلك عند التوقيع او التصديق او الانضمام إلى معاهدة دولية تسعى من ورائه الى تعديل او استبعاد أحكام معينه في تلك المعاهدة .
فالأثر المباشر للتحفظ هو إلغاء الحكم القانوني الوارد في نص او أكثر من معاهدة واعتبار هدا الحكم غير نافد في مواجهة الدولة او المنظمة الدولية التي أبدته او اعتباره نافدا ،ولكن تحت شروط معينة لم ترد في المعاهدة . (37)
فالدولة تبدي ما لها من تحفظات عند التوقيع او التصديق او القبول او الانضمام ، ومن المعلوم ان التحفظات قد ترد على كل من المعاهدات الثنائية ، كما قد ترد أيضا على المعاهدات المتعددة الأطراف ،وان اختلفت وتباينت أثارها واحكامها القانونية . (38)

الفرع السادس : التسجيل والنشر

تسجيل المعاهدات الدولية ليس فكرة جديدة أبدا ،كما انه بحكم عمل الدولة الى حد كبير مبدأ الدبلوماسية السوية ،أدي دلك الى البحث عن أسباب الحرب العالمية الأولى الى انتقاد مبدا الدبلوماسية السرية وكان بروز الرئيس الأمريكي ولسن كزعيم لاتجاه لا يحبد الدبلوماسية المكشوفة ويحبد التسجيل المعاهدة كوسيلة لنشر أنباء عقدها وتفاصيلها .

1 – عصبة الأمم :


« نصت المادة 18من عهد العصبة على ان كل معاهدة او ارتباط دولي تعقده دولة عضو في عصبة الامم من الان فصاعدا يجب تسجيله لدى الأمانة العامة ونشره في اقرب وقت ممكن ولن تكون اية معاهدة كما لن يكون أي ارتباد دولي ملزم ما لم يسجل »

المادة 18من عهد العصبة


ولقد كان السبب في وضع هدا النص هو الرغبة في تفادي النتائج السيئة التي كانت على عقد المعاهدات والمخالفات السرية وحمل الدول على إتباع خطة الدبلوماسية السرية .

2– الأمم المتحدة :


أدى ميثاق الأمم المتحدة الى حسم النقاش الذي كان بين الفقهاء منهم من قال يعني عدم التزام أطراف المعاهدة بها حتى يتم تسجيلها ،وفريق أخر رأى انه يعني عدم جواز تنفيذها جبرا مع جواز تنفيذها اختيارا،والتزام أطرافها بها بمجرد تمام التصديق حول تفسير نص المادة 18من العهد حينما قضت المادة 102من الميثاق

« كل معاهدة وكل اتفاق دولي يعقده أي عضو من أعضاء الأمم المتحدة بعد العمل بهدا الاتفاق ، يجب ان يسجل في أمانة الهيئة وان يقوم بنشره بأسرع ما يمكن ، ليس لاي طرف في المعاهدة او اتفاق دولي لم يسجل وفقا للفقرة الأولى من هده المادة أن يتمسك بتلك المعاهدة او دلك الاتفاق أمام أي فرع من فروع الأمم المتحدة . »

المادة 102من الميثاق


ومفاد هدا النص ان عدم التسجيل لا يحول دون قيام المعاهدة بكل ما يترتب عليها من حقوق وواجبات ،وانها تكون ملزمة لأطرافها وقابلة للتنفيذ بينهم وانه يمكن التمسك بها في مواجهة الدول الأخرى . (39)

مراجع