التقارير والتحاليل الهجوم على المدرسة في بيشاور غير مفهوم الإرهاب في باكستان

تمثّل باكستان خط النار الأول في “الحرب على الإرهاب” ضد تنظيم “القاعدة” وحركة “طالبان” منذ أن أطلقتها الولايات المتحدة الأميركية في العام 2001. وخسرت البلاد نحو سبعين ألفاً من أبنائها بسبب انضمامها إلى الحلف المناوئ للإرهاب، في حين أن الولايات المتحدة ودول المنطقة كانت وما تزال تتهم إسلام أباد بدعم الجماعات المسلحة واستخدامها لأغراض استراتيجية.

ومن دون شك فإن باكستان لم تكن ترغب في العمل ضد الجماعات المسلّحة التي تنشط في أفغانستان، أو تشكل خطراً على أمن أي دولة في المنطقة، وهو ما أشارت إليه تصريحات مستشار رئيس الوزراء الباكستاني للأمن القومي سرتاج عزيز حيال “طالبان أفغانستان” الشهر الماضي، والتي جاء فيها أن باكستان لن تعمل ضد الجماعات المسلحة التي لم تشكل خطراً على أمنها. وأثارت تصريحات عزيز ضجة في باكستان وأفغانستان، إذ إنها أتت مباشرة بعد زيارة الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني الأخيرة إلى إسلام اباد، والتي تم خلالها الاتفاق على العمل المشترك ضد الجماعات المسلحة. ولكن الأمور بدأت تتغير بعد هجوم “طالبان” على مدرسة لأبناء العسكريين في الـ16 من الشهر الحالي في مدينة بيشاور، عاصمة إقليم خيبر بختونخوا، والذي أدى إلى مقتل 149 شخصاً جلّهم من طلاب المدرسة، بينهم أبناء الضباط والعسكريين. ويُتوقّع أن يمثّل الحادث الدموي نقطة تحوّل في سياسة باكستان حيال الجماعات المسلّحة، إذ أعلن رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف غداة الهجوم الدموي أن لا فرق بين ما يُوصف بـ”طالبان الطيبة”، في إشارة إلى المسلّحين الذين لا يشكّلون خطراً على أمن باكستان، و”طالبان الشريرة” التي تشكّل خطراً على أمن البلاد، مشدداً على أن الحكومة ستقوم باستئصال جذور الجماعات المسلّحة بلا استثناء. وشكّل شريف، بعد مؤتمر الأحزاب السياسية والدينية، الذي عُقد غداة الهجوم على المدرسة، لجنة من القياديين في الأحزاب السياسية والجماعات الدينية برئاسة وزير الداخلية شودري نثار، لوضع استراتيجية جديدة وفعالة لمواجهة الجماعات المسلّحة، وسُميت اللجنة باسم مجموعة العمل المشتركة لوضع الخطة ضد الإرهاب.

في موازاة ذلك، وبينما كان رئيس الوزراء الباكستاني يناقش مع القيادة السياسية والدينية سُبل مواجهة التحدي الأمني ومجابهة الجماعات المسلّحة، زار قائد الجيش الباكستاني الجنرال راحيل شريف العاصمة الأفغانية كابول، وذلك برفقة مدير الاستخبارات العسكرية الجنرال رضوان أختر، حيث ناقش مع القيادة الأفغانية وقيادة قوات الحلف الأطلسي العاملة في أفغانستان التحديات الأمنية المشتركة، ومن ثم اتفق الجانبان على العمل معاً ضد جميع الجماعات المسلحة، والتعاون بهذا الصدد.

ومنذ ذلك اليوم بدأت عمليات عسكرية على جانبي الحدود، وأعلنت مصادر أمنية باكستانية أن الجيش الباكستاني قتل أعداداً كبيرة من المسلّحين خلال عمليات جرت بالتعاون مع الجيش الأفغاني قرب الحدود بين الدولتين.

ويقوم الجيش الأفغاني على الشطر الثاني من الحدود، بعمليات عسكرية ضد المسلّحين، ففي إقليم كنر الحدودي، حيث تعتقد إسلام اباد أن زعيم حركة “طالبان باكستان” المولوي فضل الله يوجد فيه، أطلقت القوات الأفغانية والجيش القبلي الموالي لها عملية عسكرية ضد المسلّحين، يوم الاثنين الماضي، أدت خلال يومين إلى مقتل أكثر من 130 مسلحاً، بينهم مسلّحون من “طالبان باكستان”. وفي الداخل، كثّفت قوات الأمن الباكستانية عملياتها ضد المسلّحين في جميع أرجاء ومدن باكستان، قتلت خلالها عشرات المسلّحين بينهم أحد المخططين للهجوم على المدرسة، ويدعى منان مصطفى، وهو شقيق المدبر الرئيسي للهجوم عمر منصور.

إضافة إلى اعتقال المئات ممن يشتبه بانتمائهم للجماعات المسلّحة. كما رفعت الحكومة الحظر على تنفيذ حكم الإعدام بحق المتورطين في أعمال العنف، وأعدمت ستة أشخاص حتى الآن دينوا في الهجوم على مقر القيادة العسكرية ومحاولة اغتيال الرئيس السابق برويز مشرف. وتستعد السلطات لتنفيذ حكم الإعدام في حق 500 آخرين بعد أن أنهت وزارة الداخلية مراجعة قضاياهم، إذ لم تعد لديهم وسائل للجوء إلى القضاء، وبعد أن رفض الرئيس الباكستاني ممنون حسين طلبات العفو التي تقدّموا بها، وذلك على الرغم من احتجاج الأمم المتحدة ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، وخشية بعض المراقبين من أن هذه الخطوة قد تزيد من العنف في البلاد، إذ إن بعض هؤلاء المدانين لا ينتمون إلى جماعات مسلّحة تقاتل حالياً ضد قوات الأمن، بل هم أعضاء في جماعات دينية محظورة.

خطوة أخرى أعلنتها الحكومة الباكستانية لتحسين الأوضاع الأمنية المتدهورة في البلاد، هي ترحيل اللاجئين الأفغان إلى بلادهم، بعدما طالبت الحكومة الإقليمية في إقليم خيبر تختونخوا الحكومة المركزية بأخذ تدابير بهذا الشأن، فأطلقت قوات الأمن حملات أمنية في مختلف مناطق البلاد ضد اللاجئين غير المسجّلين واعتقلت المئات منهم.

بدورها تواصل مجموعة العمل المشتركة ضد الإرهاب، أعمالها لوضع خطة عمل ضد الجماعات المسلّحة، وتوصلت بحسب تسريبات صحفية، إلى تفعيل إدارة “نكتا” التي شكّلتها الحكومة قبل أعوام بهدف التنسيق بين الأجهزة الاستخباراتية وقوات الأمن.

كما قررت إجراء إصلاحات في نظام المدارس، إذ إنها تعتقد أن بعض تلك المدارس الدينية تدعم الجماعات المسلّحة في البلاد، بالإضافة إلى تشديد الرقابة على الحدود الأفغانية الباكستانية لقطع الطريق على المسلّحين.

كذلك ناقشت اللجنة إقامة محاكم عسكرية للتعامل مع قضايا تتعلق بالأمن، ومن المتوقع أن تقدّم اقتراحاتها إلى الحكومة الباكستانية خلال أيام لتتم مناقشتها في اجتماع مقبل للقيادة السياسية والدينية في البلاد.

وسيكون للإجراءات التي اتخذتها الحكومة الباكستانية بعد الهجوم على المدرسة، آثارها على الأرض إذا تم السير بها، لكن يبقى الأهم التعاون بين كابول وإسلام أباد، إذ إن إرساء الأمن في باكستان مرهون بأمن أفغانستان، والعكس، وهو ما يعترف به المسؤولون في الدولتين، وتدركه القوى العالمية.