برلين – فرانس برس

ذات يوم من أيام العام 1933، خرج أدغار فوشتفاغنر من منزل عائلته اليهودية في بافاريا وهو طفل، ليلتقي وجها لوجه مع جار العائلة المعين حديثا مستشارا للبلاد، وكان يدعى أدولف هتلر.

هذه الحادثة الفريدة تتوج الكتاب الجديد للكاتب والمؤرخ أدغار فوشتفاغنر “جاري هتلر”، الذي يصدر قريبا ويوزع في ألمانيا.

كان أدغار يومها في الثامنة من العمر، وقد خرج بصحبة مربيته ليتنزها، فصادف جاره الزعيم النازي الذي أصبح في وقت قصير الرجل الأقوى في ألمانيا.

كان هتلر يقيم في شقة في حي راق في عاصمة بافاريا، إلى جوار منزل عائلة فوشتفاغنر اليهودية.

ويقول الكاتب لوكالة فرانس برس “في اللحظة التي مررنا فيها أمام منزله، فتح بابه وكان يرتدي سترة واقية من المطر”.

حلول العالم – روتيرز

ويضيف “كنا نسير معه في طريق واحد، كانت الساعة تناهز الثامنة والنصف صباحا، كان الناس يهتفون أثناء مروره “هايل هتلر”، وكان يرد التحية رافعا قبعته كأي مسؤول في حزب ديمقراطي، لم يكن يرد رافعا يده بالتحية النازية، ثم ركب سيارته ومضى”.

ويذكر أدغار أن هتلر نظر إليه نظرة كان فيها شيء من الترحيب، إذ إنه لم يكن يعرف من هذا الفتى الصغير.

فأدغار، ناهيك عن كونه ابن عائلة يهودية، هو ابن شقيق ليون فوشتفاغنر، الكاتب الألماني الشهير، المقرب من الشيوعيين، والذي اشتهر خصوصا بفضل كتابه “ارفلوغ” (النجاح)، الذي يهزأ بالصعود الصاروخي للحزب النازي، وكان هذا الكتاب ينافس بقوة كتاب “كفاحي” للزعيم النازي الصاعد.

في تلك الحقبة، كان هتلر يجول في كل ألمانيا، ويعود في عطلة نهاية الأسبوع إلى ميونيخ، وفي أيام إجازاته كان يقصد الجبال.

واعتبارا من العام 1936، لم يعد ممكنا المرور أمام بيت هتلر، بل صار يتعين على الجيران أن يسيروا من الجهة الثانية للطريق.

يبلغ أدغار من العمر اليوم 89 عاما، وهو يعيش في بريطانيا بفضل ذويه الذين تمكنوا من الحصول على تأشيرات للعائلة لمغادرة ألمانيا في العام 1938، في الوقت الذي كان الخناق يضيق على اليهود الألمان في بلدهم.

ولم تدرك العائلة فورا التهديد الذي يشكله النازيون عليهم، ولا أدركوا بوجه خاص خطورة جارهم هتلر.

ويقول أدغار “كنا نشعر اعتبارا من العام 1932 أن هناك خطرا ما، لكننا لم ندرك أبدا خطورته”.

انقلبت الأمور في ألمانيا اعتبارا من نوفمبر 1938، إذ طرد والد أدغار من عمله في دار للنشر، ثم اعتقل في إطار عمليات اعتقال واسعة النطاق نفذها النازيون.

استمر اعتقال والده ستة أسابيع في معسكر داشو شمال ميونيخ. سبق ذلك فرار شقيقه ليون إلى فرنسا بعد أن منعت كتبه وأحرقها النازيون في العام 1933.

بعد ذلك التأم شمل العائلة في بريطانيا، لكن عمة أدغار بيلا لم تكن محظوظة لتنضم إليهم، بل قضت في أحد معسكرات النازيين في براغ.

كان أدغار حينها في الرابعة عشرة من عمره، بعد ذلك درس في جامعة كامبريدج، وتزوج من فتاة بريطانية، وأصبح أستاذا للتاريخ يروي في دروسه وكتبه ما عاشه أبناء طائفته في زمن الموت النازي.